فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)}
أخرج ابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال قتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبرًا عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، وكان المقداد أسر النضر فلما أمر بقتله قال المقداد: يا رسول الله أسيري. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول: وفيه أنزلت هذه الآية: {وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: كان النضر بن الحارث يختلف إلى الحيرة فيسمع سجع أهلها وكلامهم، فلما قدم إلى مكة سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن فقال: {قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)}
فَرْطُ جهلهم، وشؤم جحدهم سَتَرَ على عقولهم قُبْحَ دعاويهم في القدرة على معارضة القرآن فافتضحوا عند الامتحان بعدم البرهان، والعجز عما وصفوا به أَنفسهم من الفصاحة والبيان، وقديمًا قيل:
مَنْ تحلَّى بغير ما هو فيه ** فَضَحَ الامتحان ما يدَّعيه

ويقال لمَّا لاحظوا القرآن بعين الاستصغار حُرِموا بركات الفهم فعدُّوه من جملة أساطير الأولين، وكذلك منْ لا يراعي على حرمة الأولياء، يعَاقَبُ بأَنْ تُسْتَرَ عليه أحوالُهم، فيظنهم مثله في استحقاق مثالبه، فيطلق فيهم لسان الوقيعة، وهو بذلك أَحَقُّ، كما قيل: رَمَتْنِي بدائِها وانْسَلَّتْ. اهـ.

.تفسير الآية رقم (32):

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان ذلك موضع عجب من عدم إعجال الضُلال بالعذاب وإمهالهم إلى أن أوقع بهم في غزوة بدر لاسيما مع قوله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} بيّن السر في ذلك وإن بالغوا في استعجاله فقال: {وإذ قالوا} أي إرادة المكابرة بالتخييل إلى الناس أنهم على القطع من أنه باطل وإلا لما دعوا بهذا الدعاء {اللهم} أي يا من له تمام المُلك وعموم الملك {إن كان هذا} أي الأمر الذي أتانا به محمد {هو} أي لا ما نحن عليه {الحق} حال كونه منزلًا {من عندك} وقال الزجاج: إنه لا يعلم أحدًا قرأ {الحق} بالرفع- أفاده أبو حيان {فأمطر علينا حجارة} ولعل تقييده بقوله: {من السماء} مع أن الأمطار لايكون إلا منها- لإزالة وهم من يتوهم أن الإمطار مجاز عن مطلق الرجم وأنه إنما ذكر لبيان أن الحجارة المرجوم بها في الكثرة مثل المطر {أو ائتنا بعذاب أليم} أي غير الحجارة، ولعل مرادهم بقولهم ذلك الإشارة إلى أن مجيء الوحي إليك من السماء خارق كما أن إتيان الحجارة منها كذلك، فإن كنت صادقًا في إتيان الوحي إليك منها فأتنا بحجارة منها كما أتت الحجارة منها أصحاب الفيل صونًا من الله لبيته الذي أراد الجيش انتهاك حرمته وإعظامًا له- أشار إلى ذلك أبو حيان، وهذه الآية والتي قبلها في النضر بن الحارث أسره المقداد يوم بدر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله فقال المقداد: أسيري يا رسول الله! فقال: إنه كان يقول في كتاب الله تعالى ما يقول، فعاد المقداد- رضى الله عنهم- لقوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أغن المقداد من فضلك، فقال: ذاك الذي أردت يا رسول الله! فقتله النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدت أخته قتيلة أبياتًا منها:
ما كان ضرك لو مننت وربما ** منّ الفتى وهو المغيظ المخنق

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه وعن معاوية- رضى الله عنهم- أنه قال لرجل من سبأ: ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة! قال: أجهل من قومي قومك قالوا {إن كان هذا هو الحق من عندك} [الأنفال: 32] وما قالوا: فاهدنا به. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

والشبهة الثانية: لهم قولهم: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي بنوع آخر من العذاب أشد من ذلك وأشق منه علينا.
فإن قيل: هذا الكلام يوجب الإشكال من وجهين: الأول: أن قوله: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} حكاه الله عن الكفار، وكان هذا كلام الكفار وهو من جنس نظم القرآن فقد حصلت المعارضة في هذا القدر، وأيضًا حكى عنهم أنهم قالوا في سورة بني إسرائيل: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90] وذلك أيضًا كلام الكفار فقد حصل من كلامهم ما يشبه نظم القرآن ومعارضته، وذلك يدل على حصول المعارضة.
الثاني: أن كفار قريش كانوا معترفين بوجود الإله وقدرته وحكمته وكانوا قد سمعوا التهديد الكثير من محمد عليه الصلاة والسلام في نزول العذاب، فلو كان نزول القرآن معجزًا لعرفوا كونه معجزًا لأنهم أرباب الفصاحة والبلاغة، ولو عرفوا ذلك لكان أقل الأحوال أن يصيروا شاكين في نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، ولو كانوا كذلك لما أقدموا عى قولهم: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء} لأن المتوقف الشاك لا يتجاسر على مثل هذه المبالغة، وحيث أتوا بهذه المبالغة، علمنا أنه ما لاح لهم في القرآن وجه من الوجوه المعجزة.
والجواب عن الأول: أن الإتيان بهذا القدر من الكلام لا يكفي في حصول المعارضة، لأن هذا المقدار كلام قليل لا يظهر فيه وجوه الفصاحة والبلاغة، وهذا الجواب لا يتمشى إلا إذا قلنا التحدي ما وقع بجميع السور، وإنما وقع بالسورة الطويلة التي يظهر فيها قوة الكلام.
والجواب عن الثاني: هب أنه لم يظهر لهم الوجه في كون القرآن معجز إلا أنه لما كان معجزًا في نفسه، فسواء عرفوا ذلك الوجه أو لم يعرفوا فإنه لا يتفاوت الحال فيه.
المسألة الثانية:
قوله: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ} قال الزجاج: القراءة بنصب {الحق} على خبر {كَانَ} ودخلت {هُوَ} للفصل ولا موضع لها، وهي بمنزلة ما المؤكدة ودخلت ليعلم أن قوله: {الحق} ليس بصفة لهذا وأنه خبر.
قال: ويجوز هو الحق رفعًا ولا أعلم أحدًا قرأ بها ولا خلاف بين النحويين في إجازتها، ولكن القراءة سنة، وروى صاحب الكشاف عن الأعمش أنه قرأ بها.
واعلم أنه تعالى لما حكى هاتين الشبهتين لم يذكر الجواب عن الشبهة الأولى، وهو قوله: {لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا} ولكنه ذكر الجواب عن الشبهة الثانية، وهو قوله: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالُواْ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ}.
يعني إن كان ما يقول محمد من القرآن حقًا، {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء}.
قال أبو عبيدة كل شيء في القرآن أمطر فهو من العذاب، وما كان من الرحمة فهو مطر.
وروى أسباط عن السدي قال: قال النضر بن الحارث: اللهم إن كان ما يقول محمد حقًا، فأمطر علينا حجارة من السماء، {أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فنزل: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1] فاستجيب دعاؤه وقتل في يوم بدر.
قال سعيد بن جبير: قتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثلاثة صبرًا النضر بن الحارث، وطعمة بن عدي، وعقبة بن أبي معيط.
وكان النضر أسره المقداد، فقال المقداد: يا رسول الله أسيري.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الله وَرَسُولِهِ مَا يَقُولُ» فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيري.
فقال: «اللَّهُمَّ أَغْنِ المِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ».
فقال المقداد: هذا الذي أردت فنزل: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَإِذْ قَالُواْ اللهم} الآية.
نزلت أيضًا في النضر بن الحارث بن علقمة بن كندة من بني عبد الدار.
قال ابن عباس: لمّا قصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شأن القرون الماضية، قال النضر: لو شئت لقلت مثل هذا إنْ هذا إلاّ أساطير الأوّلين في كتبهم.
فقال عثمان بن مظعون: اتق الله فإن محمدًا يقول الحق. قال: فأنا أقول الحق. قال: فإن محمدًا يقول: لا إله إلاّ الله. قال: فأنا أقول لا إله إلاّ الله. ولكن هذه شأن الله يعني الاصنام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} [الزخرف: 81] قال النضر: ألا تَرون أن محمدًا قد صدقني فيما أقول يعني قوله: {إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ} [الزخرف: 81].
قال له المغيرة بن الوليد: والله ما صدّقك ولكنه يقول ما كان للرحمن ولد.
ففطن لذلك النضر فقال: اللّهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك.
{إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ} {هُوَ} عمادًا وتوكيد وصلة في الكلام، و{الحق} نصب بخبر كان {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السماء} كما أمطرتها على قوم لوط.
قال أبو عبيدة: ما كان من العذاب. يقال: فينا مطر ومن الرحمة مطر {أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي بنفس ما عذبت به الأُمم وفيه نزل: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1].
قال عطاء: لقد نزل في النضر بضعة عشرة آية من كتاب الله فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر.
قال سعيد بن جبير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «ثلاثة صبروا منكم من قريش المطعم بن عدي. وعقبة بن أبي معيط. والنضر بن الحارث».
وكان النضر أسير المقداد فلمّا أمر بقتله قال المقداد: أسيري يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّه كان يقول في كتاب الله ما يقول» قال المقداد: أسيري يا رسول الله، قالها ثلاث مرّات. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثالثة: «اللّهمّ اغن المقداد من فضلك».
فقال المقداد: هذا الذي أردت. اهـ.